العلامة أبو القاسم

              

  

والماس ترحب بكم و تتمنى لكم ابحارا موفقا في موقعها هذا.... موقع المجد.........

العلامـة

 أبـــو القاســـم الزيانـــي

 

   ولد أبو القاسم الزياني في مدينة فاس سنة 1147هـ، و توفى بها سنة 1249هـ، و قد عاش 102 سنة، بدأ حياته العملية بجانب أعظم ملوك الدولة العلوية، و قد كان في كل عمله السياسي و التاريخي مثال الرجل الوفي للنعمة الصافي السريرة الصادق العزيمة.

   لم يعد أبو القاسم ابن الفقيه أحمد علي الزياني، ليكون مؤرخا، و لا بحاثة و لا سفيرا متنقلا، و لا جغرافيا دارسا للكرة المبسوطة كما يروق له أن يسميها، و لكن الصدفة قادته إلى حيث موهبته و ما يرجى له، وذلك في لحظة لم يكن فيها أمام مرشد أو موجه، و لم يجلس فيها إلى مدرس خاص، وإنّما يوحي من *كناش* من مخلفات جده النسابة علي، رفع فيه نسبه إلى *مالو* و*مازيغ* جد البربر، ثمّ إلى حام بن نوح. وقع بصره على ذلك، عندما أراد والده الهجرة إلى الديار المقدسة سنة 1169هـ /1755م ثمّ أخرج كتبه للسوق، وقتها اكتشف الزياني أنه في حاجة إلى البحث والإطلاع عبر القرون الخوالي ليتحقق من نسب جده، وليرضي رغبته في ذلك الإتجاه. وبذلك تمكن من معرفة تاريخ البلاد والقبائل والشعوب بل و تعدى إلى ما على وجه الأرض، من بحار و أنهار و جزر وحيوانات و أحجار، و أصبح له في ذلك ما يعتبر بحق تراثا إنسانيا يستحق العناية والرعاية.

   إنّ كل مطلع على إنتاج مؤرخ الدولة العلوية أو ذي الوزارتين، كما لقب أبو القاسم الزياني في التاريخ، لا ينسبه مطلقا إلى معاصريه من المؤرخين الذين كانوا لا يعرفون من التاريخ غير سرد الأحداث السياسية وحدها، تباعا ودون اعتبار للظواهر التي تبدو في أفق المجتمع الذي يؤرخون له، سواء كانوا رجال الدين أو السياسة أو الحرب أو الثقافة إلا في نطاق سرد الحادث الذي عاشوه، أو كانوا فيه بجانب السلطة المركزية أو ضدها.

   أما أبو القاسم الزياني كتب مذكرات المولى محمد بن عبد الله، ضمن تاريخ العالم و الأمم دون تكليف، فالتاريخ عنده مخالف لما جرى عليه المغاربة ليس فقط سرد الأحداث السياسية، دون إبداء رأي أو تعليق، بل هو إلى كل ذلك تاريخ للأفراد قبل أن يكون تاريخا للحوادث، وتلك هي طريقة النهج الحديث، إذ الفرد هو الوحدة التي يمكن أن يتألف منها التاريخ، دون إهمال للحادث، و التعليق عليه من جميع جوانبه. فتولية المولى محمد بن عبد الله *بلقاسم الزموري* قائدا على قبيلة آيت أومالو، و ما نشأ عن هذه التولية من ويلات أدت إلى انهزام الجند، بسبب العداوة التقليدية بين القبائل المذكورة، وكل من زمور وكروان، وآيت ايدراس، و آيت حكم، و أسباب تلك العداوة، وتأثيرها إلى عهد المولى سليمان، وجرّته على السياسة العامة، بل و مواقع تلك القبائل، وأوعارها وعاداتها وأعرافها، و تعلقها بالعرش، رغم كل السحب والغيوم، كل ذلك لم يكن عند أبي القاسم الزياني، غير دراسة مستوفاة للفرد و الجماعة، وكذا الأسباب التي كانت عاملا أساسيا في انهزام الجند، دون أن يترك الحادث مجردا، كما كان يفعل معاصروه، و كذا كتّاب الحوليات من المؤرخين بعده، و هو لا يسجل بدقة فحسب، و إنّما يبدي رأيه و ما يراه في كل مشكلة عاشها و عاصر ذويها.

   لقد كان لأبي القاسم الزياني أثرا بالغا في تدوين تاريخ المغرب مقرونا بجغرافية دقيقة للأحداث و الحقائق لما استفاده من المؤرخين الذين سلقوه أمثال " الريحان البيروني، و أبي عبيد البكري، و محمد بن أبي بكر الزهري، والشريف الإدريسي،ومحمد بن عبد الرحيم المازني، ومحمد بن علي الموصلي، ومحمد بن جبير الكناني، وأبي الفداء عماد الدين إسماعيل (توفى سنة 782هـ/1331م) له "المختصر في أخبار البشر" وهو أول كتاب عرفه علماء أوربا، و له كذلك "أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك". و من ابن بطوطة الذي وجه إليه الزياني نقدا مرا وعنيفا بدافع ما استفاده من بعض الهنود بالحرمين أيام حجته الأخيرة، ومن ابن عثمان زميل أبي القاسم الزياني (و هو ابن عثمان المكنسي توفى سنة 1213هـ/1798م) رحل إلى المشرق بعد سفارته لآل عثمان وله *رحلة البدر السافر لهداية المسافر إلى فكاك الأسرى من يد العدو الكافر* ... هؤلاء هم بعض ذوي الرحلات والجغرافيون العرب مشارقة ومغاربة... هؤلاء الذين قال عنهم الزياني أن كتابه *

   الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا و بحرا: "هذا الكتاب أهداه لينمّ عن عرفان بالجميل وتقدير مفعم بالحب الصادق و الولاء الأصدق لابن ولي نعمته المولى سليمان 1206هـ - 1238هـ/1792م – 1823م صاحب الفضل الأول في تخليد ما أنتجه أبو القاسم باقتراحه ورعايته والإنفاق عليه، وقد أعيدت طبعة و صياغة جديدة لهذا الكتاب بأمر من الحسن الثاني.....} تحدث باستفاضة أكثر من غيره عن أوربا و عن عواصمها التي لم يتطرق إليها من سبقوه، كما تحدث عن تاريخ بعض تلك الدول، وعلاقتها بالمغرب، وبعض الدول الإسلامية بطريقة لم يسبق إليها، و لم ينتج نحوه فيها أولئك الذين أتيحت لهم الفرص التي أتيحت لأبي القاسم، و هي الخدمة بجانب السلطان، والقرب من مصدر العلاقات الدولية، كما تحدث أحيانا عن تاريخ بعض دول أوربا القديم، حديثا لم يكن فيه بالخيالي البعيد عن الحقيقة، كما حصل لغيره، بل هو الوحيد الذي يمكن أن يقال أنه يحدث عن تاريخ أوربا الحديث في عصره، و مواضع مختلف الدول الأوروبية، كما رسم صورة عن الحالة السياسية في أوربا الغربية، بعد الحرب الدينية، إلى غير ذلك من المعلومات التي لم تكن تعرف غلا من الوثائق الإنجليزية و الفرنسية في عصره، إذ كل ما أضافه إلى هذا التاريخ هو مشاهداته و اتصالاته الشخصية كما يقول: " إنّما رسمت فيها ما شاهدته في الأقاليم التي بلغتها، و غيره نقلته من رحلة العياشي، ومحاضرة اليوسي، ورحلة البلوي، ورحلة ابن نباتة، و رحلة السرخسي للأندلس والمغرب، و رحلة الكردي، ورحلة البكري، و أخبار الهند والسند والصين من تاريخ الإسلام للذهبي، و من تواريخ لبعض علماء الهند اجتمعت بهم بالحرم الشريف و بمكة، وكنت أسرد عليهم رحلة ابن بطوطة فانكروا كثيرا لما فيها من أخبار ملوكهم...". و ليس كل ما صدر عن أبي القاسم ادعاء و استعلاء، بل يثّبت ويخطّ بقلمه ماله و ما عليه، إذ يقول في كتابه للإمام حمدون بن الحاج حول ما نظم من تاريخ الدول شعرا: * ثمّ إني أعتذر للسادة من ذلك النظم الصريع وبالتلفيق الركيك البشع، فإنّ القصد منه الاختصار وتحقيق الأخبار...* وليس معنى هذا أنّ أبا القاسم لم يكن يدرك جوانب قدرته في التأليف بقدر ما كان يدرك جوانب ضعفه في النظم، بل العكس من ذلك، ولنستمع إليه إذ يقول للإمام حمدون أيضا و قد كتب هذا الأخير إليه بتقريظ بليغ ثمّ بعث إليه بمنظومته المشهورة في السيرة: * فليس بها ما يبدل و لا يعاب، إلا خلوها من التراجم و الفصول و الأبواب، و ذلك قريب المأخذ سهل الوصول لمن يصنع الرماح والنصول."

   لم تكن المدّة التي قضاها أبو القاسم الزياني منعزلا في بيته، أقل إنتاجا من تلك التي قضاها بجانب ملكين عظيمين هما وليا نعمته المولى محمد بن عبد الله و المولى سليمان، بل كانت مدة انعزاله أكثر غزارة و فائدة للأجيال المتعاقبة، فمن سنة 1224هـ إلى سنة 1249هـ/ 1809 إلى 1834م أي مدّة 25 سنة، ما ذا أنتج لنا الزياني خلالها؟

    لقد أنتج من الكتب ما يلي:

  الترجمان المقرب عن دول المشرق و المغرب.

  الترجمانة الكبرى.

  البستان الظريف في دولة أولاد مولاي علي الشريف.

  الغياث السلوك في وفيات الملوك. (شرح هذه الألفية في عدد من الدول الإسلامية أثناء زيارته لها).

  الدرّة الفائقة في الردّ على أهل البدع و الزنادقة.

  الحادي المطرب في رفع نسل شرفاء المغرب.

  درّة السلوك فيما يجب على الملوك.

  رحلة الحذاق لمشاهد الأفاق (في الجغرافيا)

  ياقوت و اللؤلؤ و المرجان في ذكر الملوك و أشياخ المولى سليمان

  كشف الأسرار في الردّ على أهل البدع الأشرار

  رشف الحميا في علم السيميا و بطلان علم الكيميا.

  نصيحة المغترين في بطلان التدبير للمعترين.

  التاج و الإكليل فيما يسر السلطان الجليل

  تحفة النبهاء في التفريق بين الفقهاء و السفهاء.

  شرح الحال و الشكوى للكبير المتعال ( منظومة).

  تاريخ الولاية المحمودة البدء و النهاية (في التعريف بالمولى عبد الرحمن بن هشام).قصة المهاجرين المعروفين بالبلدين بفاس.

  الروضة السليمانية في ملوك الدولة العلوية و من تقدمها من الدول الإسلامية.

  المقامة الفاسية.

    رحــلات و مغامــرات

 و قد قسم رحلاته و مغامراته إلى:

  رحلته الأولى لأداء الفريضة و الزيارة سنة 1169هـ.

  الغرق في بحر في بحر قزوين و تلف المال و الرجوع إلى المغرب سنة 1171هـ.

  التعلق بالكتابة و الخدمة السلطانية و نهي والده عنهما إلى أن حصلت له النكبة سنة 1184 (نفذ مال والده و باع جميع كتبه).

الخلاص من النكبة و الرجوع للخدمة و التمكن في الدولة و ما تخلل ذلك من الحوادث إلى أن عيّن سفيرا باسطنبول (تركيا=آل عثمان) عام 1200 إلى 1204هـ

  تعيينه سفيرا للمغرب إلى إقليم الأندلس.

  النكبة في أيام السلطان اليزيد و التقلب في سجون المغرب حتى موته سنة 1206هـ و الخروج من السجن وبيعة السلطان مولاي سليمان.

  ولايته لمدينة وجدة بالإكراه من السلطان مولاي سليمان، و سفره منها حتى وهران و تلمسان و المكوث فيها سنة و نصف.

   سفره إلى القسطنطينية ثمّ إلى افريقية (تونس).

  سفره من تونس إلى اسطنبول.

  سفره من اسطنبول إلى دمشق الشام *دار السلام* كما لقبها.

  زيارة إقليم الشام و بها من المدن و الهياكل و مزارات الأنبياء والأولياء والصحابة و العلماء.

  زيارته الجزيرة العربية ثمّ إلى بلاد ما بين النهرين (العراق)، ودخوله بغداد فالمدينة ثمّ مكة لأداء مناسك الحج.

  زيارته لليمن ثمّ بلاد الزنج و الحبشة و أرض الهند و السند وأرض الصين.

  مقامه في مصر ثمّ الإسكندرية ثمّ الجزائر ثمّ رجوعه إلى فاس وعودته للخدمة السلطانية.

   يتبين لنا أن أبا القاسم الزياني، قد استفاد أيّما استفادة من رحلاته واتصالاته و تقربه من ملكين عظيمين، وإطلاعه على الوثائق التي لم تكن لغيره أن يطلع عليها من رسائل و ظهائر و كتب اقتصرت على القصر الملكي، استفاد منها استفادة الخبير المحنك و إلى جانب ذلك استطاع أن يصنع خريطة بخط يده للبحار و الجزر التي مرّ بها.

   عين أبو القاسم الزياني في سلك عمال المملكة لحفظ الأمن والتفرغ للعمل المخزني إلى جانب آخرين مثل محمد المكي الشاوي و الطيب الحناش و محمد بن عثمان المكنسي و الطاهر بناني الرباطي و غيرهم ممن صهرهم في مدرسته ثمّ رفع بعضهم إلى درجة الوزارة و السفارة والكتابة الخاصة (للسلطان) و جلهم امتاز بالعلم و الكفاءة و الاقتدار كما تدل آثارهم العلمية و السياسية الباقية، و كان السلطان يعلي مجالسهم ويستخرج نفائسهم و يكثر جوائزهم و يقضي حوائجهم.

   لقد سجن أبو القاسم الزياني ـ كما سبق القول ـ و شرد و عذب على يد المولى اليزيد طوال سنتي ملكه، لأنّه كان على اتصال بالقبائل البربرية التي كان المولى اليزيد يريد استعمالها للقيام بثورة ضد أخيه المولى هشام غداة وفاة المولى محمد بن عبدالله، فكان الزياني يفسد عليه عمله هذا، و ذلك وفاء منه لولي نعمته واستجابة لتربيته الدينية و عملا بقوله صلى الله عليه و سلم * إذا بويع أمير ثمّ خرج عليه أمير فاقطعوا رأس الذي خرج ومن بايع الثاني فقد كفر

  إذن فإن السنتين اللتان قضاهما المولى اليزيد في الملك قضاهما الزياني متنقلا بين سجون المغرب حيث انتهى به المطاف إلى سجن الرباط حيث اقتحم أهله هذا السجن الرهيب و أطلقوا سراحه. ثمّ أسندت إليه عمالة وجدة مباشرة سنة 1206هـ/1792م كي يصلح حالها من طرف السلطان مولاي سليمان الذي تولى الخلافة بعد المعركة التي دارت بين المولى اليزيد و المولى هشام التي قتل فيها الأوّل بجهة تازكوت قرب مراكش. فقربه المولى سليمان و جعله من خواصه حتى أنّه لما توفى إخوانه مسلمة وعبد المالك وهشام بالطاعون في مراكش سنة 1212هـ/ 1797م أرسل الزياني لاستلام متروكهم و الوقـوف على أحـوال خلفهم و ذلك منه اصطفاء له، ولكن ما حصل للزياني أيام ولي نعمته بسبب الناقمين على صراحته واستقامته من جهة و ما لاقاه المولى سليمان من عنت آيت أومالو أهل جبل فازاز بطن صنهاجة بسبب العداوة التقليدية مع كل من زمور وكروان. حيث حاربهم بجميع فلول المغرب، على حدّ قول الزياني سنة 1224هـ/1809م و سنة 1234هـ/1819م و تلك التي كانت السبب في انهزام المولى سليمان و موت نجله إبراهيم... فقد كان الزياني قد ابعد عن القصر نهائيا سنة 1225هـ بعيد الحرب الأولى 1809م. مع الحفاظ له بما يحتاج إليه ماديا، فلم يكترث الزياني لكل ما حدث من بعد ولم يتحول عن خطته التي رسمها لنفسه، وهي التأليف و عدم الاهتمام بما دون ذلك لأنّه أخذ من الحياة ما يكفيه، وبذلك انقطع عن الناس غير مكترث بما يحدث إلى درجة أن بعضهم لما عاب عليه انقطاعه قال في ذلك:
    أنست بوحدتي و لزمت بيتي

    و أدبني الزمـان فما أبالـي

    و لسـت بسائل ما دمت حيـا

  فدام الأنس لي و نما السرور

هجــرت فلا أزار و لا أزور

أسار الجنـد أم خرج الأميـر؟

   و إذا كانت هذه الأبيات تكاد تفصح لنا عما كان عليه أبو القاسم الزياني من عزلة و مقاطعة بمنزله أو بالزاوية العيساوية بأبي مغيث بفاس، وكيف قضى هذه العزلة التي استمرت من يوم انقطاعه عن العمل الإداري سنة 1224هـ/1809م، أو بالأحرى إلى سنة 1249هـ/1834م حيث انتهى أجله أيام المولى عبد الرحمن بن هشام و هو قد عاصر أربع ملوك، و قد دفن بالزاوية الناصرية بفاس.

 

 

 

 

 
المصمم: عبدالقادر غموزي   *   جميع الحقوق محفوظة لموقع المجد  * 2006 *
المراجعة: samedi, 07. janvier 2006 22:14:59